فصل: تفسير الآيات (34- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (34- 41):

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبرزت الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما دل على البعث، أتبعه ما يكون عن البعث مسبباً عنه دلالة على أن الوجود ما خلق إلا لأجل البعث لأنه محط الحكمة: {فإذا جاءت} أي بعد الموت {الطامة الكبرى} أي الداهية الدهياء التي تطم- أي تعلو- على سائر الدواهي وتغطيها فتكون أكبر داهية توجد، وهي البعث بالنفخة الثانية- كما قاله ابن عباس- رضى الله عنهما ـ، والعامل في (إذا) محذوف تقديره: فصل الناس إلى شقي وسعيد.
ولما كان الشيء لا يعرف قدره إذا كان غائباً إلا بما يكون فيه، قال مبدلاً منه: {يوم يتذكر} أي تذكراً عظيماً ظاهراً- بما أشار إليه الإظهار {الإنسان} أي الخلق الآنس بنفسه الغافل عما خلق له {ما سعى} أي عمل كله من خير وشر لأنه يراه في صحيفة أعماله، والإخبار عن تذكره منبهاً على ما في ذلك اليوم من الخطر لأن أحدًّا لا يعمل جهده في تذكره إلا لمحوج إلى ذلك وهو الحساب وتدوينه في صحيفة أعماله.
ولما أشار إلى الحساب ذكر ما بعده فقال: {وبرزت} أي أظهرت إظهاراً عظيماً، وبناه للمفعول لأن الهائل مطلق تبريزها لا كونه من معين، مع الدلالة على الخفة والسهولة لكونه على طريقة كلام القادرين {الجحيم} أي النار التي اشتد وقدها وحرها {لمن يرى} أي كائنا من كان لأنه لا حائل بين أحد وبين رؤيتها، لكن الناجي لا يصرف بصره إليها فلا يراها كما قال تعالى: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102].
ولما كان جواب (إذا) كما مضى محذوفاً، وكان تقديره أن قسم الناس قسمين: قسم للجحيم وقسم للنعيم، قال تعالى مسبباً عنه مفصلاً: {فأما من طغى} أي تجاوز الحد في العدوان فلم يخش مقام ربه، قال في القاموس: طغى: جاوز القدر وارتفع وطغى: غلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم، والماء: ارتفع.
ولما كان الذي بعد حدود الله هو الدنيا، صرح به فقال: {وآثر} أي أكرم وقدم واختار {الحياة الدنيا} بأن جعل أثر العاجلة الدنية لحضورها عنده أعظم من أثر الآخرة العليا لغيابها، فكان كالبهائم لا إدراك له لغير الجزئيات الحاضرة، فانهمك في جميع أعمالها وأعرض عن الاستعداد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس فلم ينه نفسه عن الهوى.
ولما كان الإنسان مؤاخذاً بما اكتسب، سبب عن أعماله هذه قوله مؤكداً لتكذيبهم ذلك: {فإن الجحيم} أي النار الشديدة التوقد العظيمة الجموع على من يدخلها {هي} أي لا غيرها {المأوى} أي المسكن له- هذا مذهب البصريين أن الضمير محذوف، وعند الكوفيين أن (أل) نائب عن الضمير- قاله أبو حيان.
ولما ذكر الطاغي، أتبعه المتقي فقال: {وأما من خاف} ولما كان ذلك الخوف مما يتعلق بالشيء لأجل ذلك الشيء أعظم من ذكر الخوف من ذلك الشيء نفسه فقال: {مقام ربه} أي قيامه بين يدي المحسن إليه عند تذكر إحسانه فلم يطغ فكيف عند تذكر جلاله وانتقامه، أو المكان الذي يقوم فيه بين يديه والزمان، وإذا خاف ذلك المقام فما ظنك بالخوف من صاحبه، وهذا لا يفعله إلا من تحقق المعاد.
ولما ذكر الخوف ذكر ما يتأثر عنه ولم يجعله مسبباً عنه ليفهم أن كلاًّ منهما فاصل على حياله وإن انفصل عن الآخر فقال: {ونهى النفس} أي التي لها المنافسة {عن الهوى} أي كل ما تهواه فإنه لا يجر إلى خير لأن النار حفت بالشهوات، والشرع كله مبني على ما يخالف الطبع وما تهوى الأنفس، وذلك هو المحارم التي حفت بها النار فإنها بالشهوات، قال الرازي: والهوى هو الشهوة المذمومة المخالفة لأوامر الشرع.
قال الجنيد: إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها، أي فأفاد ذلك أنه لم يؤثر الحياة الدنيا، فالآية من الاحتباك: أتى بطغى دليلاً على ضده ثانياً، وبالنهي عن الهوى ثانياً دلالة على إيثار الدنيا أولاً.
ولما كان مقام ترغيب، ربط الجزاء بالعمل كما صنع في الترهيب فقال وأكد لأجل تكذيب الكفار: {فإن الجنة} أي البستان الجامع لكل ما يشتهي {هي} أي خاصة {المأوى} أي له، لا يأوي إلى غيرها، وهذا حال المراقبين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)}.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع وفي اشتقاقها وجوه، قال المبرد: أخذت فيما أحسب من قولهم: طم الفرس طميماً، إذا استفرغ جهده في الجري، وطم الماء إذا ملأ النهر كله، وقال الليث: الطم طم البئر بالتراب، وهو الكبس، ويقال: طم السيل الركية إذا دفنها حتى يسويها، ويقال للشيء الذي يكبر حتى يعلو قد طم، والطامة الحادثة التي تطم على ما سواها ومن ثم قيل: فوق كل طامة طامة، قال القفال: أصل الطم الدفن والعلو، وكل ما غلب شيئاً وقهره وأخفاه فقد طمه، ومنه الماء الطامي وهو الكثير الزائد، والطاغي والعاتي والعادي سواء وهو الخارج عن أمر الله تعالى المتكبر، فالطامة اسم لكل داهية عظيمة ينسى ما قبلها في جنبها.
{يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)}
المسألة الثانية:
قد ظهر بما ذكرنا أن معنى الطامة الكبرى الداهية الكبرى، ثم اختلفوا في أنها أي شيء هي، فقال قوم: إنها يوم القيامة لأنه يشاهد فيه من النار، ومن الموقف الهائل، ومن الآيات الباهرة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل، وقال الحسن: إنها هي النفخة الثانية التي عندها تحشر الخلائق إلى موقف القيامة، وقال آخرون: إنه تعالى فسر الطامة الكبرى بقوله تعالى: {يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى وَبرزت الجحيم لِمَن يرى} فالطامة تكون اسماً لذلك الوقت، فيحتمل أن يكون ذلك الوقت وقت قراءة الكتاب على ما قال تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يوم القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13] ويحتمل أن تكون تلك الساعة هي الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ثم إنه تعالى وصف ذلك اليوم بوصفين:
الأول: قوله تعالى: {يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} يعني إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها، وكان قد نسيها، كقوله: {أحصاه الله وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6].
الصفة الثانية: قوله تعالى: {وَبرزت الجحيم لِمَن يرى}.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {لِمَن يرى} أي أنها تظهر إظهاراً مكشوفاً لكل ناظر ذي بصر ثم فيه وجهان أحدهما: أنه استعارة في كونه منكشفاً ظاهراً كقولهم: تبين الصبح لذي عينين.
وعلى هذا التأويل لا يجب أن يراه كل أحد والثاني: أن يكون المراد أنها برزت ليراها كل من له عين وبصر، وهذا يفيد أن كل الناس يرونها من المؤمنين والكفار، إلا أنها مكان الكفار ومأواهم والمؤمنون يمرون عليها، وهذا التأويل متأكد بقوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} إلى قوله: {ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} [مريم: 72 71].
فإن قيل: إنه تعالى قال في سورة الشعراء: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ وَبرزت الجحيم لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91 90] فخص الغاوين بتبريرها لهم، قلنا: إنها برزت للغاوين، والمؤمنون يرونها أيضاً في الممر، ولا منافاة بين الأمرين.
المسألة الثانية:
قرأ أبو نهيك {وَبرزت} وقرأ ابن مسعود: {لمن رأى}، وقرأ عكرمة: {لمن ترى}، والضمير للجحيم، كقوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] وقيل: لمن ترى يا محمد من الكفار الذين يؤذونك.
واعلم أنه تعالى لما وصف حال القيامة في الجملة قسم المكلفين قسمين: الأشقياء والسعداء، فذكر حال الأشقياء.
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في جواب قوله: {فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى} [النازعات: 34] وجهان الأول: قال الواحدي: إنه محذوف على تقدير إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، ودل على هذا المحذوف، ما ذكر في بيان مأوى الفريقين، ولهذا كان يقول مالك بن معول في تفسير {الطامة الكبرى}، قال: إنها إذا سبق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار والثاني: أن جوابه قوله: {فَإِنَّ الجحيم هي المأوى} وكأنه جزاء مركب على شرطين نظيره إذا جاء الغد، فمن جاءني سائلاً أعطيته، كذا هاهنا أي إذا جاءت الطامة الكبرى فمن جاء طاغياً فإن الجحيم مأواه.
المسألة الثانية:
منهم من قال: المراد بقوله: {طغى وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} النضر وأبوه الحارث فإن كان المراد أن هذه الآية نزلت عند صدور بعض المنكرات منه فجيد وإن كان المراد تخصيصها به، فبعيد لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لاسيما إذا عرف بضرورة العقل أن الموجب لذلك الحكم هو الوصف المذكور.
المسألة الثالثة:
قوله صغى، إشارة إلى فساد حال القوة النظرية، لأن كل من عرف الله عرف حقارة نفسه، وعرف استيلاء قدرة الله عليه، فلا يكون له طغيان وتكبر، وقوله: {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، وإنما ذكر ذلك لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» ومتى كان الإنسان والعياذ بالله موصوفاً بهذين الأمرين، كان بالغاً في الفساد إلى أقصى الغايات، وهو الكافر الذي يكون عقابه مخلداً، وتخصيصه بهذه الحالة يدل على أن الفاسق الذي لا يكون كذلك، لا تكون الجحيم مأوى له.
المسألة الرابعة:
تقدير الآية: فإن الجحيم هي المأوى له، ثم حذفت الصلة لوضوح المعنى كقولك للرجل غض الطرف أي غض طرفك، وعندي فيه وجه آخر، وهو أن يكون التقدير: فأن الجحيم هي المأوى، اللائق بمن كان موصوفاً بهذه الصفات والأخلاق.
ثم ذكر تعالى حال السعداء فقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}
واعلم أن هذين الوصفان مضادان للوصفين اللذين وصف الله أهل النار بهما فقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} ضد قوله: {فَأَمَّا مَن طغى} [النازعات: 17] وقوله: {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} ضد قوله: {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} [النازعات: 38] واعلم أن الخوف من الله، لابد وأن يكون مسبوقاً بالعلم بالله على ما قال: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] ولما كان الخوف من الله هو السبب المعين لدفع الهوى، لا جرم قدم العلة على المعلول، وكما دخل في ذينك الصفتين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات والحسنات، وقيل: الآيتان نزلتا في أبي عزيز بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزيز يوم أحد، ووقى رسول الله بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطآمة الكبرى} أي الداهية العظمى، وهي النفخة الثانية، التي يكون معها البعث؛ قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه، وهو قول الحسن.
وعن ابن عباس أيضاً والضحاك: أنها القيامة؛ سميت بذلك لأنها تطِمُّ على كل شيء، فتعم ما سواها لعظم هولها؛ أي تقلبه.
وفي أمثالهم:
جرى الوادِي فَطمَّ على القَرِيِّ

المبرد: الطامّة عند العرب الداهية التي لا تستطاع، وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم: طم الفرس طميماً إذا استفرغ جهده في الجري، وطم الماء إذا ملأ النهر كله.
غيره: هي مأخوذة من طمّ السيلُ الرّكِية أي دفنها، والطمّ: الدفن والعلو.
وقال القاسم بن الوليد الهمْداني: {الطامة الكبرى} حين يُساق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
وهو معنى قول مجاهد: وقال سفيان: هي الساعة التي يُسْلَم فيها أهل النار إلى الزبانية.
أي الداهية التي طَمَّت وعظمت؛ قال:
إن بعض الحبِّ يُعْمِي ويصِمْ ** وكذاك البغضُ أدْهَى وأَطَمْ

{يوم يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} أي ما عمل من خير أو شر.
{وَبرزت الجحيم} أي ظهرت.
{لِمَن يرى} قال ابن عباس: يكشف عنها فيراها تتلظى كل ذي بصرَ.
وقيل: المراد الكافر لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب.
وقيل: يراها المؤمن ليعرف قدر النعمة ويصلَى الكافر بالنار.
وجواب {فإذا جاءتِ الطامَّةُ} محذوف أي إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة.
وقرأ مالك بن دينار: {وَبرزت الجحِيمُ}.
عِكرمة: وغيره: {لمِن ترى} بالتاء، أي لمن تراه الجحيم، أو لمن تراه أنت يا محمد.
والخطاب له عليه السلام، والمراد به الناس.
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طغى وَآثَرَ الحياة الدنيا} أي تجاوز الحد في العِصيان.
قيل: نزلت في النضْر وابنه الحارث، وهي عامة في كل كافر آثر الحياة الدنيا علي الآخرة.
وروي عن يحيى بن أبي كثير قال: من اتخذ من طعام واحد ثلاثة ألوان فقد طَغى.
وروى جُوَيبر عن الضحّاك قال حذيفة: أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن يؤثروا ما يَرَوْن على ما يَعلَمون.
ويروي أنه وجد في الكتب: إن الله جل ثناؤه قال «لا يؤثِرُ عبدٌ لي دنياه على آخرته، إلا بثثت عليه همومه وضيعته، ثم لا أبالي في أيِّها هلك».
{فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى} أي مأواه.
والألف واللام بدل من الهاء.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي حَذِر مقامه بين يدي ربه.
وقال الربيع: مقامه يوم الحساب.
وكان قتادة يقول: إن للَّهِ عز وجل مَقاماً قد خافه المؤمنون.
وقال مجاهد: هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعة الذنب فيقلع.
نظيره: {ولمِن خاف مَقامَ ربهِ جنتانِ}.
{وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} أي زجرها عن المعاصي والمحارم.
وقال سهل: ترك الهوى مِفتاح الجنة؛ لقوله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} قال عبد الله بن مسعود: أنتم في زمان يقود الحقُّ الهوى، وسيأتي زمان يقود الهَوَى الحقَّ، فنعوذ بالله من ذلك الزمان.
{فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى} أي المنزل.
والآيتان نزلتا في مصْعَب بن عُمير وأخيه عامر بن عمير؛ فروَى الضحاك عن ابن عباس قال: أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير أُسِر يوم بدر، فأخذته الأنصار فقالوا: من أنت؟ قال: أنا أخو مُصْعَب بن عُمير، فلم يشدُّوه في الوَثاق، وأكرموه، وبيتوه عندهم، فلما أصبحوا حدّثوا مصعَب بن عُمَير حديثه؛ فقال: ما هو لي بأخٍ، شدّوا أسيركم، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً.
فأوثقوه حتى بعثت أمّه في فِدائه.
{وأما من خاف مقام ربه} فمصْعَب بن عمير، وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أُحد حين تفرّق الناس عنه، حتى نفذت المشاقص في جوفه.
وهي السهام، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحِّطاً في دمه قال: «عندَ الله أحتسبك» وقال لأصحابه: «لقد رأيته وعليه بُردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه من ذَهب» وقيل: إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامِراً يوم بدر.
وعن ابن عباس أيضاً قال: نزلت هذه الآية في رجلين: أبي جهل بن هشام المخزوميّ ومصعب بن عمير العبدريّ.
وقال السُّدِّي: نزلت هذه الآية {وأما من خاف مقام ربهِ} في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام، وكان يسأله من أين أتيت بهذا، فأتاه يوماً بطعام فلم يسأله وأكله؛ فقال له غلامه: لمِ لا تسألني اليوم؟ فقال: نسيت، فمن أين لك هذا الطعام.
فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطَوْنيه.
فتقايأه من ساعته وقال: يا رب ما بقي في العروق فأنت حبَسته فنزلت: {وأما من خاف مقام ربهِ}.
وقال الكلبيّ: نزلت في من هَمّ بمعصية وقدر عليها في خَلْوة ثم تركها من خوف الله.
ونحوه عن ابن عباس.
يعني من خاف عند المعصية مَقامه بين يدَي الله، فانتهى عنها.
والله أعلم. اهـ.